الدينونة العتيدة وجهنم هما بحسب عدل الله
كثير من الناس؛ الملتصقون بأعمال الجسد ، وهم في ذلك مستعبدين لأمور الحياة الحاضرة، يعتقدون بأن الأمور التي قيلت عما سيحدث بعد الموت، بأنها سوف لا تحدث. مبررين ذلك بقولهم بأن الله محب البشر ، وقائلين إنه لا يوجد جحيم ولا عقاب حسنًا ، الله هو محب البشر، وهذا أمر حقيقي، لكن أيضًا يجب أن يكون عادلاً أيضًا. فكيف لا يكون عادلاً، من يعاقب ذلك الذي يستمتع بالخيرات الكثيرة التي تمنح له، ثم بعد ذلك يرتكب أعمالاً تستحق العقاب، بعد أن تكون التهديدات والإحسانات غير نافعة له أو قادرة على تغييره ليصير نحو الأفضل؟
لوفحصنا الأمور بالحق، لكان علينا أن نعاني . وفق الحق - وإن لم يصبنا من الآن ما كان يجب أن نعانيه، فهذا يُظهر محبة الله لنا. لأنه عندما يشتم أحد ذاك الذي لم يفعل به ظلمًا، فينبغي عليه أن يُعطى جوابًا عن فعلته هذه ـ كما يليق بالحق - لكن عندما يتمادى هذا الشخص ولا يكتفي بالشتيمة، بل يسبب لهذا الشخص يوميًا حزنًا بدلاً من الاعتراف بالجميل، إذ أحسن إليه بطرق كثيرة وصار علة وجوده (الله) فأي غفران يستحق هذا الإنسان؟! كيف تتجرأ بقولك إن الله محب للبشر ولا يعاقب؟ إذا عاقب، فحينئذ بحسب رأيك، سيتوقف عن أن يكون محب للبشر ؟ أخبرني ألا تعتبر ذاتك مستحق للعقوبة عندما تخطيء؟ ألم يقل لك الله ـ من البداية ـ كل شيء؟ ألم يتوعدك ؟ ألم يقدم لك مساعدة لكي تفهم؟ ألم يفعل كل شيء من أجل خلاصك؟ لأنه إن لم يوجد عقاب للخطاة، ربما سيقول أحد كيف لا توجد مكافأة للأبرار. أين هي عندئذ محبة الله للبشر وعدله؟
أيها الناس ، لا تنخدعوا ، بطاعتكم للشيطان، لأن هذه هي أفكاره. لأن القضاة والرؤساء والمعلمين يكافئوا الصالحين، ويعاقبوا الأشرار، فوفق أي منطق سيحدث العكس مع الله، هل سينال كل من الصالحون والأشرار نفس التقدير معا؟ إذا حدث هذا، متى سيتخلص الأشرار من شرهم؟ فهم سوف لا يخافون، معتقدين أن الجحيم لا ينتظرهم، بل إنهم سيكسبون ملكوت السموات. إذن، متى سيكفون عن فعل الشر ؟ ! سمعتُ من بعض الخطاة قولهم بأن الله يهدد البشر بنار الجحيم لأجل تخويفهم، لكن لن يحدث مثل هذا الشيء، لأن الله رحوم، لا يمكن أن يعاقب.
اقنعنى أنت عندئذ ، من أين تدعون أن الله كاذب؟
من الذي غمر كل المسكونة بالمياه، أثناء طوفان نوح، وسبب الغرق الرهيب، الذي دمر كل ساكني الأرض؟! من الذي ألقى النار والكبريت من السماء على سدوم وأحرق المدينة ؟! من الذي أغرق المصريين؟ من الذي أفنى ستمائة ألف من العبرانيين في الصحراء ؟! مَن الذي أحرق محلة أبيرام؟ من الذي أمر الأرض بأن تفتح فاها وتبلع قورح وداثان ومن معهما ؟! مَن الذي أمات سبعون ألفًا في لحظة أيام داود؟! ومن الذي أمات مائة وخمسة وثمانون ألفًا في ليلة واحدة أيام إشعياء؟! ألا ترى النكبات التي نعاني منها يوميًا بسبب خطايانا ؟!
إن كان الله غير ظالم، بالتأكيد، فأنت ستعاقب إذا أخطأت. ولكن إن لم يعاقب الله لأنه محب للبشر، على حد زعمك، فعندئذ كان لا يجب أن يُعاقب أولئك الذين ذكرناهم ( من الكتاب المقدس). لكن الله يعاقب الكثير لأجل خطاياهم في هذه الحياة الحاضرة. فإن لم تصدقوا تهديداته، فعلى الأقل صدقوا بالعقاب الذي فرضه. وبالتالى نكون قد أقنعنا بتبريراتنا أولئك الذين يدعون كل هذا ، بأن وجود الجحيم وما قيل عنه ليس اسطورة. الذين يعبدون الأصنام ينادون بالدينونة العتيدة والمجازاة هذه الأمور حقيقةً ، لأنه ليس نحن فقط الذين نقول هذا، لكن الشعراء والفلاسفة والأدباء كتبوا بأنه يوجد بعد الموت حياة ومجازاة، وعلموا بأن الأشرار يُعاقبون في الجحيم. فبالرغم من عدم استطاعتهم وصف هذه الأمور، بصورتها الحقيقية ، بسبب أن لكل منهم أفكاره الخاصة ، وكل ما سمعه ويُذكر في التقليد الشفاهي من جيل إلى جيل، إلا أنهم التقطوا صورة عن الحقيقة التي سلمت إلينا. فقد تحدثوا عن كوكتيوس (1) Kwkutos وبيريفليغيثوندس (٢) Πυριφλεγωθοντες النهرين، وعن ماء نهر ستيغوس (۳) Etuyos ،
(L) وتارتاروس (٤) Tptapto اللذين يبعدان عن الأرض بقدر ابتعادها عن السماء تحدثوا أيضًا عن ساحة إيليسيا (0) Hola ، وعن جزر المطوبين ) ، وعن الأشجار المزهرة والروائح الذكية والنسيم الرطب الذي يهب هناك. كما تحدثوا عن الموسيقيين الذين يقيمون هناك، ذوو الملابس البيضاء وهم يرنمون أناشيد متنوعة. وعموما نادوا بأنه يوجد مجازاة للصالحين وعقاب للأشرار بعد انتقالهم من الحياة الحاضرة. ليتنا نؤمن بوجود جهنم. تذكر جهنم يجعلنا نكف عن فعل الخطية دعونا ألا نترك أنفسنا للاعتقاد بعدم وجود جهنم حتى لا ينتهي مصيرنا إليها. لأن ذاك الذي لا يؤمن بوجودها يصير بالحري غير مبال، والذي لا يبالي ستكون نهايته فيها. فلا ينبغي أن نؤمن بوجود جهنم فقط، بل يجب أن نتحدث عنها باستمرار، وعندئذ سيكون من الصعب أن نرتكب الخطية. لأن الكلام باستمرار عن هذا الموضوع، مثل دواء مرّ، يمكن أن يخلصنا من أي شر، عندما يظل في نفوسنا تذكر جهنم دائما . إن كنت غليظ القلب ولا تظهر رحمةً ، تذكر العذارى اللواتي انطفأت مصابيحهن ولم يكن لهن زيتا ، فظلوا خارج العرس، وعندئذ ستصبحبسرعة إنسانا محبا رحومًا. إن كنت تريد أن تخطف شيئًا ليس لك، اسمع لقول الديان : اربطوا رجليه ويديه وخذوه واطرحوه في الظلمة الخارجية (مت ٢٢:٣١) ، وعندئذ ستطرد من فكرك شهوة السرقة. إن كنت تشتهي السكر والترفه، اسمع الغنى عندما يقول، دون أن يُستجاب له طلبه : ارسل لعازر ليبل طرف إصبعه بماء ويبرد لسانى لأني معذب في اللهيب (لو ٦١:٤٢)، وبسرعة سوف تهجر شهوتك هذه. 11 إن كنت تحترق من نار شهوة رديئة، احضر إلى ذهنك نار الجحيم، ومباشرة ستنطفيء نار الشهوة الرديئة في داخلك وسترحل عنك. وحتى إن لم يوجد هناك جحيم، فيجب أن نفكر كم سيكون العقاب عظيمًا عندما تطرد بعيدًا عن الله وتذهب مهانًا من أمامه. فإن كان أولئك الذين لا يرون نور الشمس يحيون حياةً أكثر مرارة من الموت، فينبغي علينا نحن أن نفكر فيما سنعاني منه إذا حرمنا من النور الحقيقي؟ ولأي سبب نحيا ونتنفس وتوجد ، عندما لا نرى الله؟ فإن كان واحدًا من الذين تربوا هنا من بين العائلات الغنية، إذا حُبس في السجن، فإنه سيعتبر رائحة السجن الكريهة والظلام الذي يوجد فيه، وأيضًا كونه مع القتلة والأشرار الآخرين، لهو أمر أسوأ من الموت. تأمل ماذا سيكون عندما نحترق هناك مع أشرار المسكونة كلها بدون أن نراهم أو يروننا، متخيلين أننا بمفردنا ، برغم وجودنا بين هذا الحشد الكبير. الظلمة وغياب النور سوف لا يجعلنا نميز أولئك الذين سوف يوجدون بالقرب منا، لكن كل واحد سيكون له انطباع خاص به وسيعاني بمفرده. إن نار جهنم هي مظلمة وبدون ضوء. وهذا ما يزعجنا ويزعزعنا بالأكثر ، إذ بالرغم من أنها تحرقنا بفظاعة إلا أنها لا تنطفيء وليس لها ضوء منير. ووجود الظلمة فقط يسبب اضطرابا وزعزعة للنفس، فماذا سيحدث عندما يكون مع هذه الظلمة أوجاعًا كثيرة، ونارًا مضطرمة؟ لا تظن أنه بسبب أن جهنم تدعى نارًا ، فإنها تشبه النار التي نعرفها ، لأن النار التي نعرفها عندما تحرق الشيء تلتهمه وتقضى عليه تماما ثم تنطفئ، أما نار جهنم عندما تلتهم أولئك تحرقهم حرقًا مستمرًا بدون ان تنطفيء، لأن هذه النار سوف تجعل الخطاة غير فاسدين، لا لتكرمهم، بالتأكيد، بل لكي يكون لها إمكانية أن تعذبهم عذابًا أبديًا. ولذا فهي تُدعى لا تطفأ
سندان وفق أعمالنا :
هذه الأمور ستحدث في جهنم وأمور أسوأ منها أيضًا، لم أذكرها بعد، لكن الحرمان من الخيرات الأبدية يسبب ألما عظيمًا جدا، ويولد في النفس حزنًا وضيقًا شديدًا، حتى أتساءل أي عقاب ينتظر أولئك الذين أخطأوا في الحياة الحاضرة ؟! هذا الحرمان فقط، هو كاف لكي يعذب نفوسنا ويزعجها ، أسوأ من كل عذابات جهنم. إن كانت قلوبنا ينتابها الحزن الشديد عندما نزور السجن ونرى البعض وسط القذارة، وآخرين مقيدين بسلاسل من الحديد، وآخرين محبوسين في زنزانات مظلمة، نرتعب ونفعل ما بوسعنا حتى لا نصل إلى هذه الحالة المؤسفة التعسة، عندما ننقاد ونحن مقيدين إلى جهنم في أي حالة سنوجد ؟! وماذا سنفعل حينذاك؟! لأن تلك القيود غير مصنوعة من الحديد، لكن من النار التي لا تطفأ أبدًا، وأولئك الذين يقيدونا لا يشبهوننا ، حتى نستدر عطفهم، لكنهم ملائكة مخيفين بلا أي شفقة من نحونا ، ولا نستطيع أن ننظر إليهم ، لأنهم غاضبون منا غضبا رهيبا، بسبب أننا أسأنا إلى الرب وبالرغم من أنه هنا في الحياة الحاضرة يوجد شيء ما للخطاة مثل المال والطعام، إلا أن هناك يظلون في دينونة وغير مغفوري الخطايا وبلا أي شيء يلطف حياتهم.
أيضًا حتى نوح وأيوب ودانيال، إذا رأوا ذويهم يُعاقبون هناك، فإنهم لم يتجرءوا أن يدافعوا عنهم أو يمدون أيديهم ليساعدوهم، لأنه لا يكون هناك مجالاً للعطف نحو الأهل لأنه من الممكن أنه يوجد أُناس أبرار لهم أبناء خطاة، وأبناء صالحين لآباء أشرار، وبسبب أن الفرح والسرور الذي سيتمتع به الأبرار والفاضلين هو فرح كامل، وحتى لا تنزعج نفوسهم من حتمية الحنو والعطف على الآخرين، وهم يستمتعون بتلك الخيرات، أعتقد أن الرأفة الطبيعية نحو الأهل ستُمحى، وأن الذين هم مع الرب سيغضبون من صلات الرحم (أي الوالدين والأبناء)، إن كان مصيرهم الجحيم.
بناءً على ذلك، ينبغى ألا يأمل أحد بأنه سوف يتمتع بأى خير، إن لم يُظهر أعمالاً صالحة، حتى لو كان له آلاف الأجداد الذين كانوا أبرارًا وأرضوا الله لأنه عندما نصرف الزمن الذي أعطاه لنا الله، في أعمال لا تليق، سوف نذهب جميعًا إلى جهنم، لكي ننال عقاب صارم، لأنه إذا كان ذاك الذي يأخذ قرضًا لكي يستثمره في تجارة ، ثم ينفقه في شيء آخر، وإن لم يستطع أن يرده إلى الدائن سوف يُعاقب، وكم سيُعاقب بقسوة، ذلك الذي أهدر كل حياته دون أن يفيد منها في شيء؟ وإذ نطلب نحن من خدامنا ليس فقط أن يعطوا حسابًا عن كيف يصرفون المال الذي نأتمنهم عليه، بل أيضًا عن الواردات ونفحص من أين، وكم، وممن أخذوا النقود، هكذا فإن الله يطلب جوابًا عن ما يكسبه وما يصرفه الغني وأيضًا الفقير. فهو يطلب جوابًا من الغني كيف جمع غناه؟ هل هو نتيجة تعب حقيقى أم من سرقة وطمع ؟ وأين صرف ماله ، في الزنى أم على الفقراء؟ في اللذة والضلال والسكر، أم في مساعدة المحتاجين والذين هم في ضيقة؟ وأيضًا يفحص الفقير إذا كان يتحمل الفقر ببساطة وصبر، وعدم تذمر أم لا ، وذلك عندما يرى نفسه فقيرا والآخر يملك غنى وافر.
وليس فقط الأغنياء والفقراء، لكن أيضًا الرؤساء والقضاة يُمتحنون بدقة عظيمة، إن كانوا قد خالفوا العدل، لو إنهم حكموا بقرارات وهم تحت تأثير الشفقة أو العكس، أو بدافع الحقد نحو المحكوم عليهم، وإن كانوا قد أعطوا حكمًا بغير حق إذ انخدعوا من النفاق والتملك. فبقدر عظمة رتبة المرء في هذا العالم، بقدر ما سيُطالب بالأكثر أن يعطى جوابًا عن أعماله هناك.
الوعيد بالنار الأبدية لا يدل على قساوة الله بل على محبته للبشر
لذلك يتحدث الله لنا باستمرار عن جهنم، لكي نستفيد بقدر المستطاع أكثر من التهديد والخوف منها . لأنه إن لم يتحدث عن تهديد جهنم، فإن الكثيرون ( بسبب الاستهانة) سيدخلون إلى هناك. لأنه بالرغم من أن الخوف من جهنم يزعج نفوسنا الآن، إلا أن الكثير يخطئون وبسهولة جدًا، فإن فرض أنه لا يوجد جهنم، وأنه لم يُقال شيء عنها أو أى تهديد يضبطنا، فأي شر إذن وأي خطية سوف لا نفعلها؟ هكذا التهديد بالجحيم ليس هو مثالاً لقسوة الله، لكن بالحري برهانًا على رحمته ومحبته للبشر. وبالتأكيد، في أيام يونان، إن لم يكن هناك وعيد بالدمار، لما تجنبوه، فإن لم يكن الله قد أخبر نينوى بأنها سوف تهلك، لما خلصت، وإن لم يكن هناك وعيد لنا من الله بالجحيم لكنا بالتأكيد سنلقى فيه جميعنا.
الدينونة العتيدة ليست فقط للذين يعملون الشر بل أيضًا للذين لم يبلغوا أعمال الفضيلة :
إن كان الله لا يبالي بأن نحيا في الفضيلة أو الخطية، سيكون لنا عذرًا في أن نقول إنه لا يوجد جحيم. لكن إذا كان يعتني بنا اعتناء عظيمًا لكي لا نخطيء ويحاول معنا كثيرًا لكي نعمل وصاياه، فإنه من الواضح أنه عندما نعمل أعمالاً = فاضلة يكافئنا ، وعندما نخطيء يعاقبنا .
لكن لاحظوا من فضلكم، شيئًا عجيبًا يحدث مع الكثيرين. فهم يشتكون على الله، أنه يصبر مرات كثيرة ويترك بلا عقاب الظالمين والمنحلين، والخطاة. وهناك أيضًا، إذا هدد بأنه سيعاقبهم ، سيشتكونه بعنف. فإذا كان هذا الوعيد يسبب حزنًا ، فيجب أن تقبله وتؤمن به.
لكن يا للحسرة على غبائهم وعلى نفوسهم التي تحب الخطية واللذات، لأنه بينما يحتقرون التهديدات، سوف يخضعون للعقاب عمليا . لأنه لا يستطيع أحد من أولئك الذين لم يتخلصوا من خطاياهم في هذه الحياة الحاضرة، أن يهرب من العقاب. لكن مثلما ينقاد المسجونين إلى المحكمة مقيدين بسلاسل، هكذا أولئك الذين يرحلون من هذا العالم ، ينقادون إلى المنبر الرهيب حاملين خطاياهم كسلاسل حول جسدهم. إذا ذهبت مرة إلى الحمام لتستحم، وتصادف أن يكون أكثر سخونة مما يجب، عندئذ تأمل نار جهنم، وإن لم يصبك أبدًا حرق بسبب السخونة الشديدة، تذكر تلك الشعلة النارية (التي للجحيم) وعندئذ تستطيع أن تسلك بالصلاح. لأنه إن كان الحمام الساخن والحرارة يزعجوننا كثيرًا جدًا ويؤلموننا ، ففي أي حالة سوف نكون عندما تلقى داخل بحيرة النار)؟
إنه ليس كافيًا أن نتخلص من الشر، لكن من الحتمي أن نعمل أعمالاً كثيرة صالحة. أي لكي ننجو من الجحيم يجب علينا أن نبقى ثابتين في الفضيلة. لأنه هناك عُرف قائم بين عامة الناس وهو أن يكافأ مَن لا يعمل شرا، وهذا كافي فقط لكي لا ينال أي عقاب. بينما يجب أن تكون المكافأة ليست لمن لا يعمل الشر بل للذي يُقدم أعمالاً صالحة.
غير أنه، بينما يفكر البعض في أنه لكي لا يسقط أحد في جهنم النار يكفي أن يتجنب الأعمال الشريرة، قد أتى تدريجيًا في فكري تهديد رهيب لم يفرض عقابًا على أولئك الذين تجرءوا وعملوا شرًا ، لكن عاقب الذين لم يعملوا أعمالا حسنة. ما هو هذا التهديد : اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته. لأني جعت فلم تُطْعِموني. عطشت فلم تسقونى (مت ٢٤.٥٢:١٤) ، بمعنى أن أولئك الذين لم يعطوا المحتاجين مما يملكون لم يُعاقبوا فقط بحرمانهم من الخيرات الأبدية، لكن أُرسلوا إلى النار الأبدية أيضًا. إذن من هذه الأمور نتعلم أن هؤلاء الذين عملوا الأعمال الصالحة، سوف يتمتعون بالخيرات السماوية، بينما أولئك الذين لم يُدانوا لأجل أي عمل شرير، لكنهم لم يعملوا أعمالاً صالحة ، سوف ينقادون إلى نار جهنم مع أولئك الذين عملوا أعمالاً شريرة. بمعنى أنه لو أن شخصا من الرؤساء الأرضيين خالف القوانين فإنه ليس ممكنًا أن يهرب من العقاب، بالأكثر جدا ذاك الذي خالف وصايا الرب، سوف يُسلّم إلى العذابات التي لا تحتمل.
إنني أفهم أنه يبدو لكم مملاً، أن أحدثكم عن الجحيم، إذ يسبب ذلك لكم انزعاجًا عظيمًا، لكن على قدر ما تسبب هذه المناقشة مرارة للضمير، على قدر ما يستفيد هؤلاء الذين تعمل في داخلهم هذه الأقوال. لأنه لو قيلت لنا هذه الأمور عندما نكون قد وصلنا إلى هناك، كما قيلت للغني في مثل لعازر المسكين، سيكون علينا بالحقيقة أن نبكي وننتحب ونحزن، لأنه سوف لا يكون لنا إمكانية أن نقدم توبة، لكن بما أننا نسمع هذه الأمور ونحن هنا في الحياة الحاضرة، لذا نستطيع أن نأتي مرة ثانية إلى الطريق المستقيم ونتطهر من دنس الخطية ونكتسب جرأة أمام الله. وحيث إننا نخاف من الأمور الشريرة التي حدثت للآخرين، نسعى لنتغير حتى نصير أناسًا آخرين، وينبغي أن نشكر الله محب البشر الذي أبعد عنا الخمول عندما عاقب الآخرين، وأيقظنا بينما نحن في نوم عميق.
لأي سبب يُعاقب البعض في هذا الزمان والبعض الآخر في الحياة العتيدة
مشكلة deodikias الحكم الإلهي (الدينونة) :
لأي سبب يُعاقب البعض في هذا الزمان والبعض الآخر في الحياة العتيدة ولماذا لا يُعاقب الجميع هنا في الحياة الحاضرة؟ نقول إذا حدث هذا ، فسوف نهلك جميعنا، إذ نحن جميعا خطاة. وإن لم يُعاقب أحد في هذه الحياة، حينئذ فإن الأكثرين سيصيرون غير مبالين، وكثيرون سيقولون إنه لا توجد عناية إلهية. لأنه إن كان الذين يرون الكثيرين وهم يعاقبون الآن ومع ذلك يقولون مثل هذه التجديفات، فإن لم يكن هناك عقاب لأحد هنا فما الذي سوف يقولونه؟! وإلى أي جنون سوف يصلون؟ لأجل ذلك فإن الله يعاقب البعض في الحياة الحاضرة، والبعض الآخر لا يُعاقبهم، أي أنه يعاقب البعض هنا على الأرض، وبهذه الطريقة يُمحى شرهم، أو يجعل عقابهم هناك مخفف، أو يخلصهم تماما من أى مسئولية؛ وعلى الجانب الآخر، فإنه بعقابهم يجعل أولئك الذين يعيشون في الشر يصيرون إلى الأفضل. والبعض لا يُعاقبهم بل يتمهل عليهم لكي يُخلّصهم من العقاب في الحياة الحاضرة وإن انتبهوا لطول أناة الله وتابوا ، فلن يعاقبوا في الحياة العتيدة بالنار الأبدية. لكن إذا ظلوا في شرهم فإنهم لن يستفيدوا شيئًا من تسامح الله، بل سوف ينالوا هناك عقابًا عظيمًا لاحتقارهم لوصاياه. أي أنه عندما تكرّم من الله في هذه الحياة بالرغم من أننا أخطأنا ، بدلا من أن نعاقب ومع ذلك نتهاون ولا نتوب، فإن هذا سوف يقودنا إلى نار جهنم الأبدية. لأن من كان الله معه طويل الأناة وللأسف لم يستفد بطول الأناة هذه، فإنه سوف يُعاقب بقسوة. وكما أن عدم عقاب الخطاة في الحياة الحاضرة، وعدم استغلالهم لطول أناة الله الذي ينبغى أن يقودهم للتوبة، يجعل العقاب أكثر قسوة في الحياة العتيدة. بنفس الطريقة فإن تمتع الخطاة بدون أعمال صالحة بالرفاهيات الكثيرة والغنى، يصير سببًا وحجة لعقاب أعظم لهم.
إذن، عندما ترى شخصًا وقد اغتنى بسبب سلوكه الشرير، وهو سعيد بذلك، فلا يجب أن تمتدح حالته ، لكن بالأحرى أن تبكي عليه، لأن غناه يزيد عذابه الذي ينتظره في الجحيم. أي كما أن أولئك الذين فعلوا خطايا كثيرة ولم يريدوا أن يتوبوا ، فإنهم يزيدون غضب الله عليهم، إذ أنه سيصب جام غضبه فوقهم ، هكذا أولئك الذين مع غناهم الأرضي يتمتعون بعدم العقاب الحالي، سوف يخضعون لعقاب أعظم. لأن العقاب يكون حسب نوعية الخطأ ويتوقف على رتب الأشخاص وقدراتهم وخلافه.
فعلى سبيل المثال، إن وجد اثنان من الأشرار، لم يكن لهما نفس المتع هنا على الأرض، بل إن أحدهما قضى حياته في الغنى، أما الآخر فقد عاش في الفقر والحرمان، فإنهما سوف لا يعاقبان بنفس الدرجة في الحياة الأخرى، لكن الفني سيعاقب بأكثر قسوة.
هذا إذن هو السبب الذي من أجله لم يعاقب الله الجميع في هذه الحياة، حتى لا يفقدوا اليقين بقيامة الأموات ولا يفقدوا الرجاء في الدينونة العتيدة، بحجة أن الجميع ينالون جزاءهم في هذه الحياة الحاضرة). ولا يتركهم أيضًا يأتون إلى الحياة الأخرى بلا عقاب، حتى لا يُظن أن كل الأمور تصير بدون عناية الله.
ربما لا يسقط الكثيرون في نفس الخطايا التي كانت سببًا في عقاب آخرون في الماضي، بالتأكيد، عندما لا تقتل أخوك جسديًا، مثل قايين، لكن تقتله روحيًا ، ألم تسقط، إذن، في الخطية ؟ أي اختلاف هنا ، أنت لم تقتله بالسيف، إنما بطريقة أخرى ؟! ألا يوجد أي أحد يحسد اليوم أخيه ويعرضه للأخطار ؟!
كثيرون هنا لم يُعاقبوا في الحياة الحاضرة، لكنهم سيُعاقبون، لأنه لو أن قايين، الذي لم يعرف الشريعة المكتوبة، ولا أقوال الأنبياء قد سمعها، ولا رأى معجزات عظيمة ، عوقب كثيرًا جدا . هل الذي . بعد هذه الأمور. فعل نفس الجرائم ولم يتعقل من الأمثلة الكثيرة، هل سيظل بلا عقاب؟ أين عندئذ عدل الله؟!
إن أبناء عالي الكاهن، بسبب أنهم أكلوا قبل تقدمة البخور عوقبوا بقسوة مع أبيهم، وأنا أتسائل : ألا يوجد في عصرنا آباء مهملين ولا أولاد أشرار بالتالى أين سيعاقبون، إن لم يوجد جحيم في الحياة العتيدة ؟!
وحنانيا وسفيرة، بسبب أنهم اختلسا من الأموال التي خصصوها لله، ألم يُعاقبا في نفس المكان؟ ومن وقتهما وحتى اليوم، ألم يفعل أحد نفس الأمر؟ إذن، فلماذا لم يُعاقبا بنفس الطريقة؟ ألم أقل لك إني سأقنعك، إذا ذكرتُ لك أمثلة كثيرة، بأنه يوجد حقًا جهنم النار في الحياة العتيدة؟
كنتُ أود ، بالتأكيد، ألا يوجد جحيم، وأنا أكثر من جميعكم أتمنى ذلك. لكن لأي سبب؟ لأن كل واحد منكم يخاف من أجل نفسه، أما أنا فمسئول عن الخدمة (الوديعة) التي أؤتمنت عليها، لذا فأنا غير قادر (إذا تهاونت) على الهرب من الجحيم.
إذن، فالله صالح ومحب للبشر، ليس فقط عندما يحسن إلينا، لكن أيضًا عندما يعاقبنا. إذن العقوبات بالنسبة لنا هي إحسانًا، لأن الطبيب، ليس هو فقط طبيبًا، عندما يقود المريض إلى الحدائق أو الخضرة، أو يجلسه في حمام للاستشفاء، ولكنه أيضًا عندما يعطى أوامر صارمة للمريض بأن يبقى صائمًا، وعندما يبتر الأعضاء الفاسدة من جسده، وكذلك عندما يعطيه دواءً مرا ، ففي هذه الحالات أيضًا يظل طبيبًا، ويُظهر محبة أكثر للبشر. إذن، فعندما ترى شخصًا يعتني بتنفيذ الأعمال الفاضلة، وفي نفس الوقت يتحمل تجارب كثيرة، عندئذ فلتطوّبه، لأنه بهذه الطريقة، تنطفيء كل خطاياه هنا في الحياة الحاضرة، وهناك في الحياة الأخرى تعد له مكافآت عظيمة لصبره.
أي أن البعض يُعاقب هنا على الأرض)، وآخرون لا يذوقون أى عقاب، لكنهم يُعاقبون بكل أنواع العقوبات في الحياة الأخرى، وآخرون يعاقبون في الحياة الحاضرة وفي العتيدة أيضًا.
إذن، مَن تُطوّبون بالأكثر في كل هذه الحالات الثلاثة؟ أنا أؤمن أنه في المرتبة الأولى يجب أن نُطوّب أولئك الذين عوقبوا في الحياة الحاضرة وتخلصوا من خطاياهم. ومن تُطوّبونهم في المرتبة الثانية؟ أنتم تُطوّبون بالحري أولئك الذين لم يعانوا بأي عقاب في الحياة الحاضرة، لكن سيذوقوا الكل في الحياة العتيدة. لكن أنا أُطوب أولئك الذين يُعاقبون في الحياة الحاضرة والعتيدة. لأن ذاك الذي سوف يذوق العقاب في هذه الحياة،
سوف يشعر بتخفيف عقاب الجحيم، بينما الذي سيخضع لكل عقاب فقط هناك، سوف يُعاقب بأكثر قسوة.
الله ينذرنا بالجحيم لنسعى جميعنا لأجل خلاصنا :
إذن، لأي سبب، يخبرنا الله عن العقوبات التي يفرضها في الجحيم ؟ إنه يتوعدنا بجهنم النار حتى لا ننقاد إليها. ليت هذه الأقوال تخيفكم، يقول الله، حتى لا تحزنكم الحقيقة الواقعة.
صالحة هي وعودك، يا إلهي صالح هو ملكوتك الذي نترجى أن نرثه حسنة هي جهنم التي تهددنا بها .
لأن ملكوتك يُحرّضنا على فعل الأعمال الصالحة، والجحيم يجلب علينا الخوف، وهذا لصالحنا. بمعنى أن الله يهددنا بالجحيم، لا ليلقينا فيه، بل ليخلصنا منه لأنه إن أراد أن يلقينا في الجحيم حقا، لكان لا يخيفنا مسبقًا، حتى لا نتجنب العقوبات التي يهددنا بها بالتأكيد ، لكنه يهددنا بالعقاب، لكي نتجنب كارثة.
يخيفنا بالكلام، لكي لا يُعاقبنا حقيقة بالأفعال. لأن الذي لا ينتظر قيامة الأموات، لا يؤمن بأنه سوف يعطى جوابًا عن أعماله التي عملها في الحياة الحاضرة ، وأن أكثر من الحياة الحاضرة لا يوجد شيئًا، وسوف لا يهتم بتتميم الأعمال الصالحة، ولا يتجنب الأعمال الشريرة ، ومن حيث أنه استسلم لكل رغبة عاصية ، فسوف يستمر في ارتكاب كل أنواع الخطية. أما الذي أقنع نفسه بأنه توجد دينونة عتيدة، وماثلة أمام أعين نفسه تلك المحكمة المخيفة، ويؤمن على أي حال بأنه سيعطي جوابًا عن أعماله، وأنه ينتظر دينونة الله العادلة ، هذا يسعى بكل الطرق أن يكون عفيفا ومهذبًا ومحبًا للبشر، وأن يتمّم كل عمل صالحمحاولا أن يتجنب الفسق والوقاحة وأي عمل شرير آخر. الكلام لا يستطيع أن يُحقق نتائج عظيمة ، بقدر ما يُحققه الخوف، أي أن خوف الجحيم سوف يمنحنا إكليل الملكوت.
الحرمان من مجد الله هو الجحيم العظيم:
أعرف أن الكثير يرتعب من الجحيم، لكني أقول لكم، إن السقوط من مجد السموات هو أشد عقوبة وأكثر مرارة من الجحيم. وإذا لم أستطع أن أبين هذا بالكلام، فهذا ليس غريبًا بتاتا ، لأننا ، بدورنا لا نعرف طوباوية الخيرات السماوية ، حتى نفهم تماما التعاسة التي سنختبرها إذا حرمنا منها . إن بولس، الذي يعرف كل الأمور الحسنة، لطالما يقول إن الأسوأ من الكل هو أن يُحرم المؤمن من مجد المسيح. هذا ما سنعرفه حقا عندما نبتلي بهذه المصيبة. بالتأكيد، نحن نطلب من ابن الله الوحيد ألا نعاني أبدًا من مثل هذه الكارثة، وألا نذوق هذا العقاب الذي لا يستطيع الخاطيء أن يهرب منه. الجحيم وجهنم هما غير مُحتَمَلين بالتأكيد ، ولكن إن أضفت آلاف الجحيمات لن تستطيع أن تعبر عن كم هو مرعب أن يفقد الإنسان مجد المسيح، وتبتعد عن المسيح وتسمع من فمه عبارة : لست أعرفكم (مت ٥٢:٢١) ، وندان بأننا رأيناه جوعانا ولم نعطه ليأكل. أن تسقط فوق رؤوسنا آلاف الصواعق، أفضل من أن يشيح المسيح بوجهه الحلو عنا، وعيونه الجميلة لا تطيق أن ترانا. فإن كان المسيح، بالرغم من أنني كنتُ عدوه وكرهته وانحرفت عنه، حاول بإصرار وبرغبة شديدة أن يخلصني، لدرجة أنه بذل ذاته للموت لأجل خلاصي ، ثم بعد ذلك لم أقبل أن أعطيه قليل من الخبز عندما جاع، بأى عين أواجهه؟ أخبرني إذن ، إذا افترضنا أنك شيخ وتحيا في الفقر والعوز، ثم وعدك شخص بأن يجعلك شابا فجأة، ويعيدك إلى ربيع عمرك، ويجعلك أقوى وأجمل من كل الناس، ويعطيك مملكة الأرض ثلاثة آلاف عامًا، أخبرني ما الأمر الذي يجعلك لا تريد أن تنصاع إليه وتفعله، لكي تحصل على هذا؟! لكن المسيح لم يعدنا بهذا، بل بأكثر جدا من كل هذا ، والتي أعددها لأولئك الذين يحبونه، كم من المال سوف نبخل به؟!! أو الأفضل، كم حياة سوف لا تستحق أن نضحي بها ؟
لكن بسبب أنه لا يمكننا أن نرى كل هذه الأمور بالأعين الجسدية ، اصعد بفكرك، وطالما تقف تحت هذه السماء ، التي نراها ، حدق بنظرك إلى تلك السموات التي فوق هذه، في العلو غير المحدود ، في النور الذي لا يدنى منه، عند جنود الملائكة. وأيضًا على الجانب الآخر، انزل بتفكيرك من فوق ، احضر في ذهنك صورة أولئك الذين صاروا هنا على الأرض، احضر إلى خيالك كل ما يحدث بالممالك الأرضية، أي ملابسهم الذهبية، وزوج من الجياد البيض مزينين بالزينات الذهبية، وعرباتهم المذهبة، الحبال الذهبية التي ترفرف حولهم، والتنين المطرز على الملابس الحريرية، ودروع بمقابض ذهبية، وجياد مزينة بالذهب. وطالما كل هذا تفكر فيه بالتفصيل في ذهنك، انتقل بفكرك ثانية نحو الأمور التي هي فوق، وتأمل في ذلك اليوم الرهيب، الذي سيأتي المسيح فيه لكي يدين العالم. سوف لا ترى عندئذ زوج الجياد المذهبة، ولا عربات مذهبة ولا تنين ولا دروع، لكن سترى السماء تُفتح كاملةً ، وابن الله يأتى بصحبة - لا عشرون أو مئة . لكن ألوف ألوف من الملائكة ورؤساء الملائكة. وكل هذا المنظر سيكون مملوء بالخوف والرعب، عندما يقوم البشر، الذين ولدوا حتى ذلك الحين، من لحظة آدم وحتى ذلك اليوم، سيقوموا من الأرض وسيخطفون في الهواء، عندما ترى المسيح يحضر بمثل هذا البهاء، حتى أن الشمس والقمر يفقدان نورهما أمام ذلك البهاء وسيحاكم كل واحد منا العدل بحسب أعماله.
الرجاء الأحمق الإدعاء بأن عقابنا بصحبة الآخرين يعزينا
لكن الكثير من الذين يحكمون على الأمور بعدم تبصر، يعتقدون أن العقاب في جهنم النار مع الآخرين يسبب عزاء. لكن، يا لحماقة هذا الإدعاء: أنا مثل الجميع . احضر إلى ذهنك، من فضلك، أولئك الذين يعانون مرضًا عضال، فإنهم عندما يتألمون من آلام مرضهم الرهيبة، لا يفكرون في أي شخص آخر، حتى لو أظهرت لهم آلاف آخرين يعانون من المرض أكثر منهم. لأن الآلام الرهيبة التي يُعانوا منها، لا تعطي لفكرهم أى تسكين. ليتنا لا نغذى ذواتنا بمثل هذا الإهمال الأحمق. كونك تجد عزاء من المصائب التي تحدث للآخرين، هذا ممكنا فقط في الحوادث الصغيرة. لكن عندما يكون العذاب عظيمًا ، والإنسان كله ممتلئ بالآلام، عندئذ فإن النفس سوف لا يكون لديها قوة أن تعرف من أين ستتعزى؟
إذا ذهب بك أحد إلى المسرح، حيث كان الكل جالسًا ولابسًا ملابس مذهبة، وبين ذلك الحشد ظهر شخصًا آخر يلبس ملابس مصنوعة من الجواهر والأحجار الكريمة، وعلى رأسه تاج مصنوع من الأحجار الكريمة، ووعدك بأنه سوف يضمك إلى ذلك الحشد، ألست ستنفعل بقدر استطاعتك لكي يتحقق ذلك الوعد؟ والآن، عندما يتكوّن هذا المسرح الذي ننظر إليه في السموات، ليس من هذه الأشياء، لكن من أشياء لا يسوغ أن يُعبر عنها بالكلام، هل من المعقول ألا نتعب زمنا قليلاً حتى لا نحرم ذواتنا من مثل هذه الخيرات ؟!!
ليتنا لا نخاف من عقوبات الجحيم بل من ابتعادنا عن المسيح
إذن، إن كان من الضروري أن نتحمل آلاف الميتات كل يوم، حتى وإذا تذوقنا الجحيم) أيضًا (هنا)! لكن يكفينا أن نرى المسيح عندما يأتي بكل مجده، وتنضم نحن أيضًا إلى مكان الأبرار، ألا يجب أن نتحمل كل هذه الأمور. لكن أولئك الذين يفكرون بطيش في هذه الأمور، يعتبرون أنه كافيًا أن يهربوا من الجحيم فقط. لكني اعتقد أن أسوأ جحيم من جهنم النار هو ألا يأخذ الإنسان مكانًا في مجد المسيح، وبحسب رأيي أن ذاك الذي سيسقط من هذا المجد، لا ينبغي عليه أن يحزن من عقوبات جهنم بقدر حزنه فقط على طرده من هذا المجد، هذا الأمر فقط هو أسوأ من جهنم.
إذا أحببنا المسيح مثلما يجب أن نحبه، عندئذ سنعتبر أن أسوأ من جهنم، هو أن نكون في تضاد مع الذي يستحق محبتنا الحقيقية له. لكن بسبب أننا لا نحبه كما يجب، فإننا لا نعرف كم هو رهيب هذا العقاب، ولذلك فإني أبكي وأنتحب بالأكثر.
إذا أحب إنسان بسيط ، شخصا كثيرًا جدًا ، وكان هذا المحبوب ملكا، ألا أنه سيقدر تلك المحبة؟ بالتأكيد نعم ! لكن حيث يحدث معنا ، = العكس، وذاك الذي أحبنا ، هو الأكثر جمالاً ومجدا وغناه لا يوصف، بينما تفاهتنا كثيرة، لماذا لا نعتبر أنفسنا مستحقين لعقاب عظيم، نحن التافهون والسطحيون عندما نُحب كثيرًا من ملك (الله) عظيم جدًا ، ونحن نحتقر محبة ذاك الذي يفضلنا أكثر من أى شيء آخر؟ لماذا جاد (بذل) بابنه الوحيد لأجل خلاصنا؟ لكن نحن نفضّل بدلاً منه، أوامر الشيطان. بالتالي، أليس هو حق أن يُفرض علينا الجحيم وجهنم، ونتعذب أيضًا بالأكثر بحرماننا من الوجود في حضرة الله؟
لا تشتكوا على يا أحبائي، لأجل أحزاني لأنه ليس شر أن يحزن الإنسان، لكن بالحري عندما يفعل أعمال تستحق الرثاء، ولا هو شر أن ينوح المرء، لكن أن يفعل ما يسبب النواح. لا تفعل الشر وأنا لا انوح لأنني أفضّل أن أحزنكم الان بكلامي هذا ، عن ان تعاقبوا وقتذاك. فإذا عانيت أنت من مرض جسدي، فإننا نترجى الكل أن يتعاطف معك، وتعتبر أولئك الذين لا يشاركون مرضك أنهم قساة القلوب. وعندما تكون في خطر ضياع نفسك، تقول لي ألا أنوح (عليك)؟! لكني لا أستطيع لأني أب، وأب حنون. ليتكم تستطيعون أن تروا النار التي تحرق فكري، لكي تفهموا أنى أتضايق أكثر من امرأة فقدت للتو رجلها. لا تبكى المرأة بألم شديد من أجل رجلها، ولا الأب ابنه بقدر ما انا أبكي لأجل المحيطين بي، عندما لا أرى فيهم أي تقدم لكم.
الجميع ينشغلون بالسيئات والإدانات، وكل زمن حياتنا نصرفه في إدانة الآخرين. هل تصادف أن رأيتم أولئك الذين ينقادون إلى الإعدام؟ أي حالة نفسية تكون لأولئك وهم يسيرون حتى الباب المؤدى إلى مكان التنفيذ؟ أسوأ من كم ميتة هذه الحالة؟ ما الذي سوف يفضلون فعله أو تحمله لكي يتخلصوا من غيوم السحب التي تغطي نفوسهم؟ سمعت كثيرين قالوا . عندما نجوا بسبب قرار الرأفة الملوكية ورجعوا للخلف ولم يتم تنفيذ الحكم فيهم، وذلك بعد انتقالهم إلى مكان التنفيذ - إنهم لم يروا البشر كبشر،
لأن نفوسهم كانت مضطربة جدا كأنها كانت تائهة. فإذا كان الموت الجسدي يخيفنا جدا ، ماذا سنفعل عندما يأتي الموت الأبدي؟!
وقتذاك نرى الأرض ترتجف والسماء تنشق، وسوف نرى ملك الملوك يقترب في أي حالة ستكون نفوسنا ؟ عندما يكابد الآخرون الموت الجسدي، الذي لا يختلف عن النوم في شيء، والذين ليس لهم علاقة بهؤلاء الموتى، عندما يأتون إلى مثل هذه الحالة، لدرجة أن نفوسهم تبدو كأنها مشلولة من الخوف والحزن، ونحن عندما سنأتي إلى الأسوأ من هذه الحالة، معاقبين عقابًا أبديًا ، في أية حالة ستكون حينئذ نفوسنا ؟ = صدقوني، لا يستطيع أحد أن يصف هذه الكارثة بالكلمات.
كلام الكتاب المقدس عن الجحيم سيحدث بالفعل
نعم، يقول البعض، إن الله محب للبشر ولا شيء من كل هذا سوف يحدث. إذن، فهل عبثا كل ما ذكره الكتاب؟ لا، يقولون، لكن لأجل تخويفنا ، حتى نظل صالحين. إذ لم نصر صالحين، وبقينا أشرارًا ، سوف لا يفرض الله علينا عقابًا. لكن هل سوف لا يعطي مكافأة للصالحين؟ نعم، يجيبون، سيعطي، لأن هذا هو الصواب، يجب أن يكافئهم أكثر مما يستحقون حتى أن كل ما يقوله الكتاب عن مكافأة الأبرار سيصير حقيقة، إنما تلك التي يذكرها الكتاب عن الجحيم سوف لا تكون، لكن يذكرها فقط لكي يخيفهم؟! ما كل هذا ؟! أسمعت عن الطوفان؟! ربما تلك الأمور التي قيلت عن الطوفان ألم تحدث في الواقع؟! وأناس ذلك العصر قالوا كثيرًا مثل هذا الكلام، ولم يرد احد أن يصدق، بالرغم من أن صناعة الفلك استمرت مائة عام، وأعلمهم الله ـ أثناء هذه الفترة بواسطة نوح عن العقاب الذي سيأتي عليهم.
لكن بسبب أنهم لم يصدقوا التهديد ، نالوا عقابًا حقيقيا.
إذن، ليتنا نسعى بكل قدرتنا على الهرب من اختبار مثل هذا العقاب، لكي نعيش في سعادة هنا على الأرض، ونرث الخيرات السماوية في المستقبل، بنعمة ربنا يسوع المسيح ومحبته، الذي له المجد الدائم الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين.
إن بولس الرسول، الذي يعرف كل الأمور الحسنة، لطالما يقول إن الأسوأ من الكل هو أن يُحرم المؤمن من مجد المسيح. هذا ما سنعرفه حقًا عندما نبتلى بهذه المصيبة.
بالتأكيد، نحن نطلب من ابن الله الوحيد ألا نعاني أبدًا من مثل هذه الكارثة، وألا نذوق هذا العقاب الذي لا يستطيع الخاطئ أن يهرب منه ، فالجحيم وجهنم هما غير مُحتملين بالتأكيد، ولكن إن أضفت آلاف الجحيمات لن تستطيع أن تعبّر عن كم هو مرعب أن يفقد الإنسان مجد المسيح، وتبتعد عن المسيح وتسمع من فمه عبارة: لست أعرفكم (مت ١٢:٢٥) ، ونُدان بأننا رأيناه جوعانًا ولم نعطه ليأكل.
لذا أن تسقط فوق رؤوسنا آلاف الصواعق، أفضل من أن يشيح المسيح بوجهه الحلو عنا ، وعيونه الجميلة لا تطيق أن ترانا.